06 - 05 - 2025

حواديت | حسن البارودي: عم مدبولي! الصدق والدموع!

حواديت | حسن البارودي: عم مدبولي! الصدق والدموع!

لا يحتاج حسن البارودي "عم مدبولي في باب الحديد" إلى مناسبة كي نتذكره؛ وإنما هو حي ومتوهج في الذاكرة الجمعية للمصريين والعرب، عندما تشاهده وهو يجسد الصدق الذي لا نظير له في عينيه، تنسى أنك تشاهد "تشخيصا"، ولكن تتعلق عينيك ومشاعرك مع عيون ونبرة صوت هذا الفنان الرائد، المبدع، والدموع تتلألأ في عينيه عندما يصرخ قناوي ـ يوسف شاهين ـ " متوجها له بالتوسل:"عم مدبولي..متسبنيش يا عم مدبولي"، في واحد من أروع مشاهد السينما المصرية بصفة خاصة، والعالمية بوجه عام؛ لابد أن تبكي مع دموع هذا الفنان الذي لا شبيه له.. فقط أنت تبكي ونحن نبكي معك لأنك ـ ولأننا ـ نصدقه، ثم نشاهده في عمل آخر أيضا هو من كلاسيكيات السينما المصرية محفور في الذاكرة هو: "الزوجة الثانية"، نطالع كذبه ونفاقه وهو ينصح أبو العلا بالآية الكريمة وهي حق أراد بها البارودي باطلا: "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول"....إلى آخر الآية الكريمة، لابد أن تلعنه، تلعن الشخصية التي ينطق على لسانها؛ هذا هو الصدق الفني الذي يجعلنا نتأرجح بين حبه وبغضه وهو ما يعني أيضا توحدنا مع الشخصية، هذا هو حال الفن عندما يكون صادقا، نابعا من الفهم، صادرا عن القلب، يأتي كأنه إلهام، كأنه إبداع..والحقيقة أنه فعلا إبداع.

 لذلك فإن نجمنا الشعبي  حسن البارودي له مصداقية خاصة لدى جمهور الفن ، كما أن له قدره العالي الذي يعرفه صناع السينما، ومع ذلك لم يكون ثروة ولم يترك إرثا سوى إنتاجه السينمائي والمسرحي، أمتعنا ويمتعنا إلى ما شاء الله وما بقي الفن السابع. 

حسن البارودي هو بلا أدنى شك أحد عباقرة وعلامات الفن المصري الجاد، يذكرهو من مواليد القاهرة عام 1890، وقد بزغ نجمه ومواهبه التمثيلية منذ صباه ومراهقته في فرق المسرح المدرسي في فترة ما قبل ثورة 1919 وفي هذا التوقيت بدأ حسن البارودي حكايته الفنية ومشوارا ثريا ترك خلاله بصمته القوية يشهد بها الستار المسرحي الذي كون به فرقة مسرحية مهمة طاف بها المحافظات المصرية حتى وصل إلى السودان الشقيق، منها ما وصل إلينا مثل مسرحية "سكة السلامة" و"السبنسة"، أما الشريط السينمائي فأعماله موثقة بين الأهم والأكثر جودة، منها أعماله الرائدة في الأربعينات مثل أدواره في أفلام "علي بابا والأربعين حرامي وبنت ذوات وأولاد الفقراء والعامل وكرسي الاعتراف وفي الخمسينات قدم حسن البارودي "الافوكاتو مديحة، بلال مؤذن الرسول، حلاق بغداد، درب المهابيل، لحن الوفاء، إسماعيل ياسين في البوليس، الفتوة وباب الحديد، ليستمر في العطاء خلال حقبة الستينيات ليقدم: "زقاق المدق، أمير الدهاء، والطريق، ويعد فيلم "الزوجة الثانية" الأيقونة التي يتذكرها المشاهد فور سماع إسمه أو مطالعة صورة تحمل ملامحه، ثم يتوج هذه الفترة وهي من النقاط القوية في مسيرته رغم أن قطاع كبير من محبيه لم يقفوا أمامها بالدراسة والتحليل، أعني بها محطة العالمية في إرثه السينمائي أثناء عمله في السينما العالمية مع شارلتون هيستون في فيلم "الخرطوم" عام 1966، عندما اختاروه بسبب آدائه المميز وقدرته الفذة على الآداء الصوتي وتلوين نبرات صوته بشكل لا نظير له في السينما العالمية، أيضا كان حسن البارودي يتقن عدد من اللغات الأجنبية تحدثا وكتابة، إلي أن قدم في عام 1973 آخر أدواره في فيلم "العصفور" ليوسف شاهين الذي نجح في إخراجه من عزلته التي فرضها على نفسه قبل أن يرحل في عام 1974 تاركا رصيدا ضخما من الجودة، وبدأت مأساته عندما تعرض لضعف شديد في البصر قبل رحيله وقد نفى لي نجله الدكتور أشرف البارودي الخبير السياحي ما أشيع حول فقدان والده الفنان حسن البارودي التام لبصره، ولكن ما حدث أنه وقف على خشبة المسرح القومي ولم يجد نفسه قادرا على رؤية جمهور المسرح بوضوح، وهو ما أثر على حالته النفسية، فقرر إعتزال المسرح عقب هذه الواقعة مباشرة، لدرجة أنه كان يقف على المسرح فلا يرى جمهوره، وعندما توفي صديقه الصدوق حسين رياض، وقع البارودي في شرنقة الإكتئاب حتى وفاته.
--------------------------------
يكتبها: طاهـر البهـي